الأستاذ عبد الحميد براهيمي في حوار لصوت الجزائر

العشرية الحمراء أرجعت الجزائر خمسين سنة إلى الوراء..

. حوار: علي فودي | خاص بصوت الجزائر | الأحد 12 ماي 2002

. ما هو تقييم الأستاذ براهيمي للوضع الجزائري الراهن؟

الأستاذ براهيمي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد؛ في الحقيقة أن المعطيات الميدانية في الجزائر تبين أن العشرية الحمراء (1992 ـ 2002) قد أرجعت الجزائر خمسين سنة إلى الوراء هذا ما يعني أن القمع السياسي والأمني قد أصاب كل من يخالف رأي النظام. وهو بالمناسبة نظام استبدادي ديكتاتوري وإذا دققت أكثر أقول إنه نظام عسكري تتحكم فيه خمسة إلى ست جنرالات معروفين بعلاقتهم مع فرنسا، وهي ليست مجرد علاقة بسيطة، بل علاقة انتماء للحضارة الفرنسية التي تفرض بالمقابل عداوة للحضارة العربية الاسلامية في الجزائر. وهم يناضلون من أجل تغريب الجزائر مستعملين في ذلك القوة والسلاح لمحاربة الأفكار والعقائد السياسية والدينية والحضارية للمجتمع المدني الجزائري. ولهذا كانت النتيجة سيئة في كل المجالات؛ ففي المجال السياسي على سبيل المثال ورغم التعددية الحزبية الشكلية فلا أثر للديمقراطية وكلنا في الجزائر نعلم أن ماعدا حزبين (جبهة القوى الاشتراكية وحزب الجبهة الاسلامية المحظور) فإن باقي الأحزاب هي من صنع النظام العسكري وهو ـ النظام ـ الذي شجع “زعماء” هذه الأحزاب بتأسيسها وهذا منذ مجيء دستور 23 فبراير1989 الذي سمح بالتعددية. ورغم ما نلاحظه في الساحة السياسية من اختلاف شكلي بين اسلاميين وديمقراطيين” وجمهوريين وشيوعيين إلخ.. فانهم يبقوا كلهم خيوط مشدودة في يد المخابرات العسكرية تحركهم مثل ما تشاء. هذه الأحزاب سواء الممثلة في الحكومة أو التي تنتمي للمعارضة الصورية لم يحصل أن تطرقت إلى معالجة أسباب الأزمة التي تبقى في الأصل أزمة سياسية لا أزمة أمنية عسكرية. ولا يمكن في كل الأحوال أن نعالج أزمة سياسية حضارية بقوة السلاح مثلما يقوم به هذا النظام العسكري الذي أوصل البلاد إلى حالة من العنف لا مثيل له في تاريخ الجزائر الحديث. فحتى وان كنا نسجل غياب الديمقراطية منذ 1962 فعلى الأقل كانت هناك برامج اقتصادية بسلبياتها وإيجابياتها وثوابت تاريخية محترمة. أما في هذه العشرية الحمراء فقد عرفت الجزائر تقهقر على كل المستويات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية. فالمطلعين يعرفون أنه في الستينيات والسبعينات كانت الطبقة المتوسطة تمثل ما يعادل 80% من نسبة سكان الجزائر، هذه الطبقة لم يعد لها وجود في المجتمع الجزائري فقد اختفت تماماً كنتيجة لسياسة التفقير والتهميش والخصخصة التي تسببت في تسريح مئات الالاف من العمال، يضافون إلى جيش من البطالين في وضع اقتصادي عديم فرص التشغيل. فالفقر قد أنتشر بشكل فضيع يذكرنا بالعهد الاستعماري الحالك. في الثمانينات كان عدد سكان الجزائر يفوق العشرين مليون نسمة لا نجد بينها أكثر من واحد مليون فقير. الآن سكان الجزائر عددهم يصل إلى الثلاثين مليون نسمة بينهم سبعة عشر مليون فقير يعيشون تحت حد الفقر بأقل من دولار واحد للفرد في اليوم. ففي الحقيقة، الحالة الجزائرية يرثى لها وهي حالة خطيرة جداً. فيه كذلك مؤشر ثان يدلنا على الصعوبة التي يعيشها السكان وتتمثل في البطالة؛ الأرقام الرسمية تقول إن معدل البطالة لا يتعدى الثلاثين بالمائة وحتى وهو رقم كبير جداً إلا أنه ليس دقيق، فشخصياً أعتمد كذلك على أرقامهم الرسمية وأقارن بين عدد العمال وبين عدد الأفراد الذين وصلوا إلى سن الشغل نجد أن النسبة تتجاوز الأربعين بالمائة (بين 44% و45% في سنة 2001) وهذا على المستوى الوطني، عندما نتعمق أكثر في تفصيل الأرقام نجد أن المتضرر منها بالدرجة الأولى هم الشباب. فالديوان الوطني للإحصاء يقول إن 83% من البطالين هم شباب لا تتجاوز أعمارهم 29 سنة. ثم أن توزيع البطالة يختلف عنه في المدينة عنه في القرى والارياف حيث نسبتها في القرى تتعدى 75%. وهذا كله نجم عنه ظواهر اجتماعية حادة بحيث أصبح الانتحار منتشراً بكثرة والمنتحرين يقولون إنهم يفضلون وضع حد لحياتهم على أن يرو أولادهم وعائلتهم يعيشون في فقر مدقع؛ طبعا هذا لا يغير في الوضع شيء، لكن نحن نتكلم عن الواقع الخطير جداً وحتى الصحافة الجزائرية تداولته من جوانب مختلفة وقد تطرقت إلى ظاهرة بيع الأولاد من طرف آبائهم بمبرر أن الأب يعيش بثمن بيع ابنه سنة أو سنتين وابنه سوف يعيش عند المشتري الغني في وضعية مريحة، أحسن من تلك التي يعيشها الأب.

هذه كلها ظواهر اجتماعية غريبة عن المجتمع الجزائري في الماضي وبدأت تنتشر في المدن الكبيرة في السنوات الأخيرة فقط نتيجة انتشار الفقر واليأس في البلاد.

الكلام عن الجانب الاخلاقي أكثر تعقيد ونحن نعرف إلى أين يذهب بنا الفقر. والرسول صلى الله عليه وسلم قال:” كاد الفقر أن يكون كفراً”. فالانحلال الخلقي أصبح منتشر بشكل مخزي لم نعرفه قبل في تقاليد وثقافة الشعب الجزائري.

في الجانب الاقتصادي فقد عرف هو بدوره تدهورا بصفة خطيرة جدا كما تبينه المؤشرات التالية:

ـ انخفض الدخل القومي السنوي للفرد الواحد من2500 دولار سنة 1990 الى 1376 دولار سنة 1997 و1500 دولار سنة 2001 ويمثل هذا تراجعا كبيرا يقدر بـ 60% على ما كان عليه سنة 1990

ـ يشتغل القطاع الصناعي العمومي والخاص بأقل من20% من طاقتهما المتوفرة نظرا لندرة العملة الصعبة لاستراد المواد الضرورية للتسيير.

ـ انخفض نشاط قطاع البناء والسكن الى مستوى مأسوي بحيث اصبحت الأزمة السكنية خانقة وعلى وشك الانفجار.

ـ انخفض مستوى الاستثمارات في القطاعات المنتجة الى أدنى مستوى منذ ثلاثين سنة.

. ماهي نظرتكم إلى انتخابات 30 مايو القادم؟

الأستاذ براهيمي: فيما يخص انتخابات 30 مايو القادم فنتيجتها معروفة مسبقاً ويكفي فقط أن نراجع نتائج انتخابات تشريعية ورئاسية سابقة منذ الانقلاب العسكري بداية 1992 لنتأكد من ذلك، فهي مزورة وبشكل فادح. والتزوير أنواع ومستويات وهم يقولون بهذا بدون حياء وبدون خجل.. ففي المرحلة الأولى لتقديم قوائم المرشحين تدخل النظام وأختار مرشحين بعينهم وطلب من أحزاب “مستقلة” أن يغيروا مرشحين بآخرين غير محرجين للسلطة، هذه نقطة أولى. النقطة الثانية تخص التزوير في حد ذاته، فالنتيجة موزعة سلفاً على الأحزاب المريحة بحصص محددة. الحزب الفلاني يأخذ كذا والحزب الآخر يأخذ كذا إلخ.. ونظراً لهذا الاسلوب المتخلف لا ينتظر من هذه الانتخابات شيء. النظام مبني على التزوير والغش والقمع والقوة وهو مستمر في هذا كله. وهو بعيد جدا من احترام السيادة الشعبية.

. هل من اسلوب ناجع للتخلص من هذا النظام؟ وماذا عن عملية محاكمة جنرالات الاجرام في الجزائر؟

الأستاذ براهيمي: مثل ما قلت قبل قليل أن هؤلاء الجنرالات يستعملون القوة في محاربة افكار عقائدية وحضارية للشعب الجزائري وما يعرف بأحداث 11 سبتمبر شجعتهم على المضي قدماً في هذا الأسلوب الاستئصالي البغيض. في الحقيقة أن الكل في الجزائر يعرف أن هؤلاء الجنرالات يستمدون قوتهم من فرنسا، في الوقت الراهن توسع هذا الدعم ليشمل أمريكا، لكن أنا في اعتقادي طال الزمن أو قصر فهو أيل إلى الزوال، لست أدري كيف يزول؟، ولست هنا بصدد التنبؤ بالمستقبل ولكن ما أقدمه هو تحليلات ونقول أن ما يجري في بلاد القبائل ـ وهي انتفاضة سياسية وليست عرقية مثل ما يقال هنا وهناك ـ  لو أنها تمتد إلى ولايات أخرى [فيه أحداث متفرقة تجري هنا وهناك، لكن للأسف بقيت ظرفية وآنية ومتعلقة بقضايا محلية، رغم القاسم المشترك الذي يجمع بين كل هذه الأحداث التي عرفها الوطن من الشرق الى الغرب ومن الشمال الى أقصى الجنوب والمتمثل في تذمر الشعب الجزائري من أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية] ولو كان هناك تنسيق وتنظيم بين كل الولايات لنجم عن ذلك انتفاضة وطنية تؤدي حتما الى تنحي النظام القائم بلا شك.

.  مقاطعاً: إذن حسب تصوركم أن الانتفاضة الشعبية هي الوحيدة الكفيلة بأسقاط هذا النظام؟

الأستاذ براهيمي: أقول إن فيه حلين:

الأول هو الذي يتمناه الانسان العاقل وهو الحل السياسي من خلال حوار شامل مع الأحزاب التي تملك تمثيل شعبي حقيقي، لكن النظام رافض هذا الحل. فلم يبق إلا حل الانتفاضة الشعبية التي لو تتم على المستوى الوطني لفرت رموز النظام إلى الخارج. فهم مثل ما عرفناهم جبناء يخافون مواجهة انتفاضة حقيقية. وفيه حل آخر وهو ربما يحدث انقلاب لكن لا نتمناه لأن الشعب الجزائري عان من القمع ولا فائدة من تغيير واجهة بأخرى؛ اللهم إلا إذا نجم عن الانقلاب سياسة انتقالية نحو الديمقراطية والرجوع الى انتخابات نزيهة واحترام السيادة الشعبية واحترام الحريات الفردية والجماعية وعلى وجه الخصوص حرية التعبير.

   أما فيما يخص محاكمة الجناة في محاكم أجنبية باعتبار استحالة محاكمتهم في محاكم جزائرية ترضخ تحت سلطتهم، أرى أن هناك قناعة دولية تاريخية تتجه إلى محاكمة كل المسؤولين السياسيين الذين قاموا بجرائم حرب ضد شعبهم ومعاقبتهم، وحتى وإن كنت أرى فيه من جهة أخرى أنه عمل بعيد المدى نوع ما، لكن فنحن نسجل من الآن أن هذا العمل قد شرعت فيه بعض المؤسسات غير السياسية وأعتقد أن الشعب الجزائري سوف يفرح إذا سمع عن قريب بأن هناك قضايا رفعت ضد جنرالات آخرين على غرار قضية خالد نزار المرفوعة ضده في فرنسا. فهناك محاكمات سوف تتم ضد جنرالات آخرين وتتوسع لتشمل كل المجرمين. وهذا في انتظار محاكمة الجنرالات الاستئصاليين في محاكم جزائرية ان شاء الله بعد تغيير النظام الغاشم الحالي.

.  بماذا يفسر الأستاذ براهيمي صمت النظام وعدم اتخاذ أي شيء تجاه تصريحات بعض مجرمي حرب فرنسيين اعترفوا فيها بممارستهم التعذيب ضد الشعب الجزائري؟

الأستاذ براهيمي: للسؤال الذي طرحتموه جانبين:

 الجانب الأول وهو المتعلق لماذا صمت النظام، وأقول إن تفسير ذلك بسيط جداً، فهم كانوا بجانب أوساريس وغيرهم باعتبارهم كانوا منخرطين في الجيش الفرنسي وحاربوا ضد الشعب الجزائري، وحتى عندما التحقوا في أواخر الثورة بجيش التحرير الوطني لم يصعدوا الى الجبال. خالد نزار ومحمد تواتي والعربي بلخير ومحمد العماري ـ هذا الأخير ألتحق بجيش التحرير أسابيع قليلة قبل الاستقلال ـ قد أرسلوا من قبل فرنسا في مهمة. طبعاً فيه فارين مخلصين، ولكن هؤلاء الذين ذكرت لكم أسمائهم ومعهم عدد آخر هم خونة ولهذا مستحيل أن يتخذوا مواقف ضد رؤسائهم عند ما كانوا هم أنفسهم في خدمة الجيش الفرنسي ضد الشعب الجزائري.

   الجانب الثاني، وحتى ولو افترضنا أنهم يحاولون التبرؤ من ماضيهم الأسود، فلا يمكن لهم فعل أي شيء فيما يخص هذا الموضوع طالما أنهم مطالبين من طرف شعبهم باعتبارهم مجرمي حرب، لآنه لا ننسى أنهم منذ 1992 وهم يقومون بحرب ضد شعبهم. فهذا ما يعرف بالجماعات الاسلامية المسلحة {وأستثني الجيش الاسلامي للإنقاذ الذي استسلم ودخل في هدنة وجماعة حطاب التي لا تحارب المدنيين على الاطلاق ولا توجه ضرباتها الاّ للجيش الرسمي والمخابرات العسكرية} هي كلها تابعة للنظام وفيه كتب لشهود عيان عالجت هذا الموضوع مثل كتاب “من قتل في بن طلحة؟” الذي صدر سنة 2000 وكتاب سوايدية “الحرب القذرة” الذي صدر سنة 2001 وشهادة النقيب هارون في قناة الجزيرة والصحف البريطانية سنتي 1997 و1998 وكذلك شهادة العقيد محمد سمراوي في قناة الجزيرة سنة 2001… مئات من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب يذبحون على مدى ست ساعات ومكان الجريمة لا يبعد مائتي متر عن الثكنات العسكرية، ولم يتدخل الجيش وقوات الأمن (؟؟!!)، وإذا عدنا إلى أحداث أكتوبر نرى أنه لقمع المتظاهرين عزل في الجزائر العاصمة أتوا بالدبابات من بعد 400 كيلومتر!! للحفاظ على النظام وقتل الأبرياء الذين لم يهددوا وجودهم، ولكن كانوا يعبرون عن غضبهم السياسي بصفة سلمية فقط.

. الأستاذ عبد الحميد براهيمي شكرا لكم على هذا الحوار.

سيرة ذاتية:

ـ ولد في الجزائر عام 1936

ـ دكتوراه في الاقتصاد

ـ انضم إلى جيش التحرير في عام 1956، حيث شغل وظيفة ضابط في وحدات العمليات حتى عام 1962.

ـ في عام 1963 عُيّن والياً لعنابة.

ـ شغل منصب أستاذ الاقتصاد في جامعة الجزائر (1970).

ـ عُيّن رئيساً لشركة النفط الوطنية (سوناطراك) في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1976.

ـ في عام 1979 عُيّن وزيراً للتخطيط.

ـ من عام 1948 إلى عام 1988 أصبح رئيساً للوزراء، وعضواً في المكتب السياسي لجبهة التحرير الوطني.

ـ في عام 1990 استقال من اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني، واستأنف نشاطه الأكاديمي في الجزائر ثم في بريطانيا حيث يقيم حالياً.

ـ نشر له العديد من الأبحاث حول “نمو الشركات المتعددة الجنسيات”، واستراتيجيات للتنمية في الجزائر”، والقضاء على الفقر والتنمية من وجهة نظر إسلامية”.

ـ صدر له عن مركز دراسات الوحدة العربية:

المغرب العربي في مفترق الطرق في ظل التحولات العالمية” (1996) ، والعدالة الاجتماعية والتنمية في الاقتصاد الإسلامي (1997) وفيي أصل الأزمة الجزائرية 1958 ـ 1999″ (2001).

يعمل حالياً مديراً عاماً لمركز دراسات المغرب العربي في لندن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *