جمال
سلطان | مجلة
المنار
الجديد،
العدد العاشر
في
أوائل
التسعينات،
وفي أعقاب
الانتخابات الجزائرية
الشهيرة – التي
فازت بها
الجبهة
الإسلامية
للإنقاذ – حدث
أن التقيت في
جزيرة مالطة
بالسيد محفوظ
نحناح، رئيس
حركة “حماس”
الجزائرية،
وهي المنافس الأساسي
للجبهة
الإسلامية
داخل الصف
الإسلامي في
الجزائر،
كانت النتائج
مخيبة لآمال
السيد نحناح،
الذي مني
بهزيمة ساحقة
عبر صناديق
الاقتراع
ووضح أن الشعب
الجزائري
صوَّت
للإنقاذ ولم
يصوت لحماس،
في تلك
الأثناء كنت
قد قرأت عدداً
من التصريحات
الصحفية
للسيد نحناح،
فيها قدر كبير
من العنف
والسباب
القاسي لقادة
جبهة الإنقاذ،
لدرجة أنني لم
أصدق نسبة هذا
الكلام للرجل،
ولذلك كنت
سعيداً بأن
قدَّر الله
لنا هذا
اللقاء في
مالطة، والذي
لم يطُل، حيث
امتد قرابة
نصف ساعة،
قطعها الرجل
مغضباً.
لقد
سألته عن
الانتخابات،
وعن الظلم
الذي حاق بالجبهة
الإسلامية
عندما حُرمت
من حقها الطبيعي
في النصر
السياسي عبر
صناديق
الاقتراع، ففوجئت
بسيل من
الشتائم
والتهكمات
يصدر منه ضد
الجبهة
وقادتها، حيث
اتهمهم
بالنصب والتزوير،
وأنهم يخدعون
الشعب
الجزائري،
وأنهم لم
يربحوا
الانتخابات،
وإنما هم
يروجون ذلك، ولم
يحصلوا إلا
على ثلاثة
ملايين صوت،
وأنهم نصابون يستعملون
الليزر في
مهرجاناتهم
ليكتبوا اسم
الإنقاذ، ثم
يقولون للناس
انظروا إن
السماء تبارك
الإنقاذ!، إلى
آخر ما لم أعد
أذكره من الهجوم
الجارح
والبالغ
العنف.
وقد
وجدتني
مدفوعاً –
ساعتها – للفت
نظره إلى أن
هذا الكلام
الذي يقوله هو
نفس ما يردده
فرج فودة –
أعدى أعداء
الإسلاميين
في مصر آنذاك
وقبل مقتله –
وغُلاة اللادينيين
(العلمانيين)
عن جبهة
الإنقاذ،
والمهم أن اللقاء
انفض سريعاً
بعد توتر
الرجل، ووجدت
أنه يحمل – في
نفسه – ضغينة
عميقة تجاه
جبهة الإنقاذ،
ولكني قدرت
وقتها أن
أجواء
المعركة
الانتخابية
ربما ما زالت
حية في نفسه،
مما جعله
متوتراً،
وربما مرارة الهزيمة
الكبيرة التي
مني بها حزبه
جعلته حانقاً
على مجمل
العملية
الانتخابية،
وتوقعت أن
الوقت كفيل
بإزالة هذا
التوتر وهذا
العنف في
موقفه من
إخوانه في
الحركة
الإسلامية،
وخاصة بعد
الظلم الواضح
الذي تعرضوا
له، والانتهاكات
المروعة
لحقوق
الإنسان التي
ارتُكبت على
أيدي قطاعات
من الجيش
والأجهزة
الأمنية، مما
نُشر
باستفاضة في
الصحافة
العالمية،
والشهادات
التي قدمها
ضباط
جزائريون،
فروا من المحارق
هناك، حتى
وقعت عيني
مؤخراً على
حديث صحفي أدلى
به السيد
محفوظ نحناح
لجريدة
يسارية مصرية
حزبية، فوجدت
الرجل وقد زاد
على المرارة العميقة
في نفسه قدراً
كبيراً من روح
الشماتة في
جبهة الإنقاذ
وما حلّ بها
وبرجالها،
واتهمها
صراحة بأنها
عدو للشعب
الجزائري،
كما دافع – بحرارة
مدهشة – عمَّن
ألغوا
الانتخابات وأدخلوا
البلاد في نفق
الرعب
والخراب طوال
هذه السنوات،
وبرأهم من كل
تهمة، ولصقها
بالجبهة
الإسلامية!،
فهي التي حرقت
وهي التي
اعتدت وهي
التي قتلت وهي
التي قمعت
الشعب.. إلى
آخر ما لا
يتصوره عقل
عاقل، ولم
يفُته في
الحوار
التأكيد على
أن الجبهة
منظمة خارجة
على الشرعية،
وقد حرص على
وصفها في
الحوار بأنها
“محظورة بحكم
القانون”، ثم
فاجأ الجميع
بأن أعلن رفضه
لعودة الجبهة
للممارسة
السياسية لأن
الدستور – حسب
قول نحناح –
يحظر أي أحزاب
تُقحم الدين
في السياسة،
وأن هذا دستور
أجمعت عليه مختلف
قطاعات الشعب
– حسب قوله –
ومَن خالفه
فهو شاذ،
وأضاف بالحرف
الواحد:
“والدستور الجزائري
صريح وينص على
عدم استخدام
مقومات الهوية
الوطنية في
العمل
السياسي،
ولقد أقر هذه
القاعدة كثير
من الفعاليات
السياسية والمجتمع
المدني، وما
تزال بعض
العناصر ترفض
الانصياع
لهذا القانون
وهذا الدستور”.
كنت
أقرأ الحوار
وأنا في حالة
ذهول، وذلك أن
أحقاد العمل
السياسي لا
يمكن أن تصل
بإنسان إلى
هذا القدر من
الهوس
بالعداوة
والبغضاء
لإخوانه، والتجبر
عليهم،
والشماتة
فيهم، كما أن
أيسر شروط
الأمانة لا
تمكّن “مسلماً”
من تجاهل
الحقائق التي
رآها العالم كله،
كما أن المنطق
الذي يدافع
عنه الرجل –
وهو فصْل
الدين عن
السياسة – هو
أول خطأ تجاهد
لإسقاطه أية
حركة
إسلامية، بل
هذا من
بديهيات
الدعوة
الإسلامية،
ثم إن إباحته
إقصاء أي
تنظيم إسلامي
– يعلن راية
الإسلام بحجة
أن هناك
دستوراً
يجرّم هذا – هو
تبرير لقمع
واستئصال
جميع الحركات
الإسلامية في
العالم
العربي، بما
فيها
التنظيمات التي
تؤيده وتدعمه
في الخارج،
حيث يتم إسقاط
جميع حقوق
أبنائها
السياسية
بحجة أن
الدستور يمنع
ذلك، والذي لا
شك فيه أن
حالة محفوظ
نحناح فريدة
من نوعها،
وتحتاج إلى
مراجعة صارمة
ممن يدعمونه
ويروجون له
خارجياً، لأن
الصورة بكاملها
تبلغ حد
المأساة، كما
تمثل أبلغ إساءة
للحركة
الإسلامية
المعاصرة،
والتي تمثل القيم
الأخلاقية،
والمروءات
أصلاً أصيلاً من
بنيانها، إذا
غاب، غاب معه
كل شيء.